مشاركة:

المقالات


image not found

من أصول التفسير: حسن الاستجابة لدعوة القرآن

محمد عناية الله أسد سبحاني

من أصول التفسير حسن الاستجابة لدعوة القرآن، والمسارعة إلى تطبيقها، ولو كلّف ذلك ما كلّف؛ فإن العمل والتطبيق هو الطريق إلى معارف القرآن، والقرآن لا يمنح كنوزه إلا من يمنحه حياته، ويمنحه قلبه وفؤاده.

وأصحاب رسول الله كان لهم حظ كبير من علم القرآن، وفهم القرآن، وقد نهلوا منه وعلّوا، حتى أصبحوا جيلا قرآنيا فريدا!

ولم يبلغوا ما بلغوا إلا لأنهم منحوا القرآن حياتهم، وكانوا أول مؤمن به، وأول مستجيب لدعوته، وقد شهد لهم بذلك ربنا سبحانه وتعالى حيث قال:

* ﴿لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا.﴾[1]

* ﴿وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ.﴾[2]

* ﴿لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ الله آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ.﴾[3]

*﴿وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَانُضِيعُ أَجْرَ المُصْلِحِينَ.﴾[4]

* ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ الله وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌشَكُورٌ.﴾[5]

فعلم القرآن لا ينمو ولا يزدهر إلا بالعمل به، والتحلي بآدابه، ولا يسود ولا ينتشر إلا بتنفيذ أوامره وتطبيق أحكامه، وليس له نموّ، ولا انتشار، إذا لم يعمل به، ولم تطبق أحكامه.

والأمم الذين خلوا من قبل ما ضاعت منهم كتبهم إلا بعد ما تخلوا عن العمل بها، وجعلوها وراءهم ظهريّا!

ولنا العبرة فيما رواه أحمد والهيثمي، قالا: حدثنا أبو المغيرة، حدثنا معان بن رفاعة، حدثنى على بن يزيد، حدثنى القاسم، مولى بنى يزيد، عن أبى أمامة الباهلى، قال: لما كان فى حجة الوداع قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يومئذ مردف الفضل بن عباس على جمل آدم، فقال:

"يا أيها الناس خذوا من العلم، قبل أن يقبض العلم، وقبل أن يرفع العلم، وقد كان أنزل الله عز وجل: )يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها والله غفور حليم( قال: فكنا قد كرهنا كثيرا من مسألته، واتقينا ذاك حين أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم.

قال: فأتينا أعرابيا فرشوناه برداء، قال: فاعتم به، حتى رأيت حاشية البرد خارجة من حاجبه الأيمن، قال: ثم قلنا له: سل النبى صلى الله عليه وسلم، قال: فقال له: يا نبى الله، كيف يرفع العلم منا وبين أظهرنا المصاحف، وقد تعلمنا ما فيها، وعلمنا نساءنا وذرارينا وخدمنا؟ قال: فرفع النبى صلى الله عليه وسلم رأسه وقد علت وجهه حمرة من الغضب، قال: فقال: "أى ثكلتك أمك، هذه اليهود والنصارى بين أظهرهم المصاحف، لم يصبحوايتعلقون بحرف مما جاءتهم به أنبياؤهم، ألا وإن من ذهاب العلم أن يذهب حملته، ثلاث مرار.[6]

وروي عن سيدنا علي بن أبي طالب، أنه قال:

يا حملة القرآن اعملوا به؛ فإنما العالم من عمل بما علم، ووافق علمه عمله، وسيكون أقوام يحملون العلم، لا يجاوز تراقيهم، يخالف عملهم علمهم، وتخالف سريرتهم علانيتهم، يجلسون حلقا يباهي بعضهم بعضا...أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالستهم تلك إلى الله تعالى.[7]

وقال الحسن بن علي رضي الله عنه:

اقرأ القرآن ما نهاك، فإذا لم ينهك فليست بقراءة[8].

وقال الحسن البصري:

إن هذا القرآن قد قرأه عبيد وصبيان، لا علم لهم بتأويله ... وما تدبر آياته إلا باتباعه، وما هو بحفظ حروفه، وإضاعة حدوده، حتى إن أحدهم ليقول: لقد قرأت القرآن كله، فما أسقطت منه حرفا، وقد والله أسقطه كله، ما يرى القرآن له في خلق ولا عمل، حتى إن أحدهم ليقول: إني لأقرأ السورة في نفس! والله ما هؤلاء بالقراء، ولا بالعلماء، ولا الحكماء، ولا الورعة، متى كان القراء مثل هذا؟ لا كثر الله في الناس مثل هؤلاء[9].

فالذي يدرس القرآن دراسة أكاديمية بحتة، ولا يجد في نفسه دافعا للتحلي بآدابه وأخلاقه، ولا ينشط لتطبيق ما عرف ودرس فيه، ولا يتحرك لتنفيذه، فمثله كمثل رجل دخل في حديقة كبيرة غنّاء مليئة بالفواكه والثمار، ثمّ خرج منها كما دخل، من غير أن يذوق ثمارها، ويشمّ رائحتها!

نعوذبالله من مثل هذه الخيبة، ونعوذ به من مثل ذلك الحرمان!!

 


[1]سورة النساء:162

[2]سورة المائدة:83-84

[3]سورة آل عمران:113-114

[4]سورة الأعراف:170

[5]سورة فاطر: 29-30

[6]مسند أحمد رقم الحديث:22646، وغاية المقصد في زوائد المسند، للحافظ علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي باب ذهاب العلم: 1/367

[7] كنز العمال:10/120،272، والتبيان في آداب حملة القرآن: 1/36

[8] كنز العمال:1/2776

[9] سنن سعيد بن منصور:2/420، وشعب الإيمان للبيهقي:4/209، والزهد لابن المبارك، واللفظ له:1/274/793