مشاركة:

المقالات


image not found

اعرفوا أنفسكم وعودوا إلى طريقكم يا شباب!

محمد عناية الله أسد سبحاني

الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، محمدالأمين، وعلى آله وأصحابه الغرّ الميامين وبعد!

فيا إخوة الإسلام!  

  مما يؤسفنا، ويؤرّقنا، ويقضّ علينا مضاجعنا، أن شبابنا، اليوم لا يعرفون وجهتهم، التي يحق عليهم أن يُولّوهاَ، ولايدركون غايتهم، التي يجمل بهم أن يستَبِقوها، ولايعرفون سبيلهم، التي يشرّفهم أن يسلكوها. هذا هو وضعهم، إلا من رحم ربك. فهم في كل واد يهيمون،وإلى كل داع يُهرعون.

هم يحملون قدرات عجيبة، ومواهب عالية، ولكنهم من قدراتهم، ومواهبهم غافلون، فلا يستفيدون بها، و لا يفيدون. تكون جهودهم مبدّدة، وقدراتهم موزّعة، ومواهبهم مفرّقة، ومهاراتهم مضيّعة، وهكذا يَخسرون ويُخسّرون الأمة، يتيهون على غير هدىً، وينسون واجبهم. فهم عن أدائه غافلون. ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون!   

وياليت شبابنا عرفوا أنفسهم، وعرفوا دورهم في بناء المجتمع، وعرفوا واجبهم نحوالأمة، ونهضوا، وتحركوا لأداء ذلك الواجب، فيفوزوا بخير الدنيا والآخرة. ويسعد بفوزهم قومهم ومجتمعهم، ويستفيدوا من قدراتهم ومواهبهم.

  إخوتي الأ حباب! أنتم شباب، وهل تعرفون من هم الشباب؟

 الشباب هم قِوام القوم ،وصلاح الأمة.

الشباب هم رجال الحاضر، ورجاء المستقبل.

الشباب هم الذين يغيّرون مجرى الأحداث، ويحوّلون مسار التاريخ.

الشباب هم الذين يبنون الكرامة، ويؤسسون الحضارة.

الشباب هم الذين ترقى بهم الأمم، وتزدهر بهم القيم.

الشباب هم الذين يواجهون الخطوب، ويعالجون الظروف.

الشباب هم الذين يصمدون للكوارث ويَسخرون من العواصف.

الشباب هم الذين يقتحمون الأخطار، وتتعلق بهم الأنظار.

الشباب هم الذين يتقدمون للبلايا، ويستحْلُون مرارة المنايا.

الشباب هم الذين يصنعون تاريخ المجد والسؤدد، ويسطرونه أحيانا بالدموع، و أحيانابالدماء.

ذلك معنى الشباب، وتلك مسؤلية الشباب، وذلك تاريخ الشباب، وكلماعرف الشباب أنفسهم، نشطوا، و نهضوا لأداء مسئولياتهم، وبنوا تاريخا يشرّفهم، ويشرّف الأجيال من بعدهم  .

هذا رسول الله، حينما قام في الناس بدعوة الحق، لم يكن إلا في سن الأربعين، وهو سن يكتمل فيها الشباب.

هذا أبوبكر الصديق، حينما استجاب لرسول الله، ولبي نداء الحق، كان من شباب الحيّ، وكان يتراوح بين الثلاثين والأربعين.

وهذا عمر الفاروق، لم يتجاوز عمره، يوم أسلم، سبعاوعشرين.

وهكذا دواليك، فحمزة، وعثمان، وعلى، وعبدالله بن مسعود، وسعيد بن زيد، وبلال بن رباح، وعمار بن ياسر، ومصعب بن عمير، وعشرات ومئات غيرهم، كانوا كلهم في عنفوان الشباب، حينما اعتنقوا الإسلام، وحملوا راية الإيمان.

فماذا فعلوا، وماذا صنعوا ياترى؟ هم بدّدوا الكفر والشرك بددا، ومزّقوا الباطل مزقا، وأقاموا في الجزيرة دولة قوية كبيرة، شامخة لدين الإسلام.

وما مضت عليهم ثلاثون سنة، وما ثلاثون سنة يا شباب!؟ فترة قصيرة يشب فيها الغلام، ولا تنضج فيها العقول، ولا تكتمل فيها الأحلام.

في هذه الفترة القصيرة، الوجيزة، الضئيلة تراهم زلزلوا بنيان كسرى وقيصر، وتراهم دمروا الإمبراطوريتين الكبيرتين في العالم، حتى كانتا عبرة لمن اعتبر. ولم يقرّ لهم قرار حتى أدخلوا العالم كله في ظل الإسلام، وامتد سلطان الإسلام إلى مصر، والشام، والعراق، وطرابلس، وشمال أفريقية، ثم إلى الهند والسند، وإلى تركستان، ووصلوا إلى حدود الصين شرقا، و إلى بلاد الأندلس بأوربّا غربا.

وكل ماتم من تلك الإنجازات الكبيرة الجبّارة، والبطولات المدهشة العملاقة، لم يتم إلا بهمم الشباب وعزائمهم ، وبذلهم وتضحياتهم، وجهودهم، وجهادهم.

هذا مثال يا شباب، وله إخوة وأخوات، فتاريخ الحق، وتاريخ الخير حافل طافح ببطولات الشباب، وإنجازات الشباب. ولكن هذه البطولات وتلك الإنجازات لا تظهر إلا على أيدي شباب يتمتعون بإيمان عميق. يتمتعون بإيمان راسخ وطيد. يتمتعون بإيمان يملك عليهم العواطف. ويملك عليهم المشاعر. يتمتعون بإيمان يملك عليهم قلوبهم وجوارحهم. يتمتعون بإيمان يستعذبون في سبيله كل مُرّ، ويبذلون في طريقه كل حُرّ. و يتركون لأجل الحفاظ على إيمانهم كل شيء، ولا يتركون الإيمان لأي شيء.

  يبتهل – مثلا-شاب مؤمن من حركة "الإخوان المسلمون" بمصر، وسط حلقات التعذيب،فيقول:

إلهي قد غدوت هنا سجينا  *  لأني أنشـد الإسلام دينـا

فمهلا يا طغاة الحكم مهلا  *  فطعم السوط أحلى ما لقينا

سنبذل روحنا في كل وقت * لرفع الحق خفاقـا مبينـا

مثل هؤلاء الشباب يعيشون، والإيمان هو الذي يقيمهم ويقعدهم. وهو الذي يدفعهم ويمسكهم. وهو الذي يأمرهم وينهاهم.

وهم يتحلون بكل ما يتحلى به المؤمنون الصادقون، ويتبرؤون من كل ما يتبرأ منه المؤمنون الخاشعون.

هم لا يستمعون لكل ناعق، ولا يتبعون كل فاسق. لا تلهيهم زخارف الدنيا وشهواتها، ولا تستهويهم هتافات الجاهلية ونعراتها. ولا يكون لهم همّ إلا أن يسود العالم دين الله، ولايعنيهم إلا أن تكون كلمة الله هي العليا.

مثل هؤلاء الشباب، يا معشر الشباب، يؤيدهم الله بروح منه، ويُمِدّهم بقوة منه، ويكتب لهم النصر والغلب، ويكتب لهم العزّة والسؤدد، ويتحقق لهم وعد الله سبحانه:

(ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين.إنهم لهم المنصورون، وإن جندنا لهم الغالبون)

(كتب الله لأغلبن أنا ورسلي.إن الله قوي عزيز)

وأما إذا كان الشباب ضائعين تائهين، لا يعرفون ما الكتاب ولا الإيمان. لا يعرفون ربهم ولا يعرفون دينهم، ليس لهم همّ ولا وَسَن إلا الدنيا وشهواتها، يتخبطون في الظلام، ويعيشون كالأنعام، يكون مثلهم كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث.

مثل هؤلاء الشباب، وهم الذين يملؤون ـ مع الأسف ـ ديار المسلمين، ويشغلون المناصب الحساسة في بلادهم. مثل هؤلاء الشباب يجلبون الخزي والعار على أنفسهم، وعلى قومهم. فهم لا يزيدون القوم إلا خسارا، ولا يزيدون أهلهم إلا تبارا، ولا يزيدون دينهم إلا ضعفا وانتكاسا، ويكون بطن الأرض خيرا لهم من ظهرها.

من أين جاء هذا النوع من الشباب الضائعين التائهين في مجتمعات المسلمين ياترى؟  

 إن أعداء الإسلام أدركوا من خلال الحروب مع المسلمين أن الحرب لا تزيدهم إلا تحمسا لدينهم، ومضاء في عزيمتهم، وقوة في إيمانهم.

أدركوا ذلك جيدا و أدركوا أن شباب الإسلام لا يمكن أن يُنال منهم، وهم في ساحات الوغى. وأدركوا أنه لا يمكن التغلب عليهم بشن الغارات عليهم، ما داموا على صلة قوية بدينهم وبقرآنهم.

وضحت لهم تلك الحقيقة وضوح الشمس في رابعة النهار، حينما باؤوا بالهزيمة والذل والعار في غاراتهم الصليبية المتلاحقة، وحينما ضربهم البطل المؤمن المغوار، صلاح الدين الأيوبي، في معركة حطين الحاسمة، ضربة قوية كاسرة، وقصم ظهرهم، وأخمد نارهم، لمدة قرون برفقة أصحابه المجاهدين الصادقين.

 نعم، لما فشل الحديد والنار في إبعاد الشباب عن دينهم، وفشل في تفتيت وحدة المسلمين، وارتدت الجنود الصليبية مذءومة مدحورة أمام الجيش المؤمن، والقائد المؤمن، علم أعداء الإسلام أنهم لن ينجحوا مع المسلمين بالحديد والنار، بل هم الذين يُضربون ويخسئون!

حينئذ فكروا في أسلوب جديد يتخذونه حتى يحاربوا الإسلام، ويفسدوا شباب الإسلام وعدلوا عن الحروب الطاحنة، والغارات الدامية إلى الغزو الفكري والثقافي، وجاءوا إلى بلاد المسلمين بأفكارهم الزائغة، وثقافاتهم الغاوية. جاءوا إلى بلادهم بما يفتنهم عن دينهم، ويلهيهم عن قيمهم، جاءوا إلى بلادهم بما يشغلهم عن واجبهم ويبعدهم عن حقّهم. جاءوا إلى بلادهم بنساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، وجاءوا بأدوات الزينة وأساليب الفتنة، وجاءوا بأسباب الترف والتنعم .

 وهنا كانت الكارثة، وجاءت الطامة! حيث فسد الشباب، وفسدت الفتيات، وفسدت القيم، وفسدت الأخلاق، وفسدت الأذهان، وفسدت الأفكار.

وبصورة بطيئة، وخفيّة دبّ الفساد في كل شيء، ففسدت المدارس، وفسدت المناهج، وفسدت الأنظمة كلها، وهنا غُلب المسلمون على أمرهم، وصدق فيهم قول سيدنا عمر الفاروق: "لقد أعزنا الله بالإسلام، فإذا ابتغينا العزة في غير الإسلام أذلنا الله."

فالمسلمون وقعوا في ذل وهوان؛ لأنهم فقدوا شباب الإسلام، وفقدوهم حينما فقدوا قيم الإسلام، وغفلوا عن تعاليم الإسلام. هم فقدوا شبابا غياري طامحين، هم فقدوا:

شبـابـا لا يملـون المنايـا  *  إذا دارت رحى الحرب الزبون

ومضى على ذلك دهر طويل، وبمرور الأيام زاد الأمر سوءا، حتى مُنِى المسلمون بداء الفرقة والشتات إلى أبعد الحدود، وذلك الذي كان يبغيه الأعداء، حتى قال قائلهم:

لكل جماعة فينا إمام  *  ولكن الجميع بلا إمام

والآن نحن –المسلمين- نعاني من نفس الوضع ونفس المشكلة، يا شباب!

وهذا الأمر يعاني منه الجميع. فهو شر مستطير، لم يبق بيت إلا وقد وصل إليه شرره ودخانه، وكل قد ذاق، وما زال يذوق وباله. والأمر الذي يشغل بالنا في مثل هذا الوضع الحرج، هو أننا ماذا يجب علينا؟ وماذا ينبغي لنا أن نعمل؟

إن ظروفنا وأوضاعنا، يا شباب! سيئة ومخيفة جدا. وحينما نرى إلى ما يدور حولنا و ما يحاك ضدنا، يدركنا اليأس، فالعالم كله تألّب علينا، ويريد أن يمسح وجود الإسلام والمسلمين من رفعة العالم، بحيث لا تبقي لهم باقية.

وهذا الوضع يذكرنا قول نبينا عليه السلام إذ قال يوما و هو جالس بين أصحابه:

    « يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا ». فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ قَالَ: « بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزِعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِى قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ ». فَقَالَ قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهَنُ قَالَ « حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ ».

           (سنن أبي داود.باب في تداعي الأمم:4/184/4299)

وهناك حديث آخر، يشير إلى مثل هذاالوضع السيئ، الذي يحيط بنا حيث قال عليه السلام لأصحابه يوما، وهو يعصر قلبه الشريف الحزن و الأسى، قال عليه السلام:

 " كيف بكم إذا طغا نساؤكم، وفسق شبابكم، وتركتم جهادكم؟ قالوا: وإن ذلك لكائن يا رسول الله؟ قال: نعم والذي نفسي بيده، وأشد منه، قالوا: وما أشد منه يا رسول الله؟ قال: كيف أنتم إذا لم تأمروا بالمعروف، ولم تنهوا عن المنكر؟ قالوا: أو كائن ذلك يا رسول الله؟ قال: نعم والذي نفسي بيده، وأشد منه سيكون، قالوا: وما أشد منه يا رسول الله؟ قال: كيف أنتم إذا رأيتم المعروف منكرا ورأيتم المنكر معروفا؟ قالوا: وكائن يا رسول الله؟ قال: نعم وأشد منه سيكون، يقول الله: بي حلفت لأتيحن لهم فتنة يصير الحليم فيها حيران" . ابن أبي الدنيا في كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

         (كنزالعمال في سنن الأقوال والأفعال:3/688/8470)

إي والله، نحن الآن وقعنا في فتنة عمياء صماء، يصير الحليم فيها حيران !

إي والله! تداعت علينا الأمم كما تداعى الجياع إلى قصعتهم !

نحن الآن أصبحنا كالأيتام على مائدة اللئام !وإن شئت فقل: كالخرفان في أيدي الجزارين !

ولكن كتاب ربنا ينادينا، وفيه بلسم وشفاء لمن أصغى إليه:

(إنه لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون)

وهناك أرواح الشهداء تنادينا من جنان الفردوس الأعلى:

أخي ستبيد جيوش الظلام  *  ويشرق في الكون فجر جديد

فأطلق لروحك إشراقـها  *  ترى الفجر يرمقنـا من بعيد

وإذا نظرنا إلى تاريخنا فتاريخنا أيضا يمنعنا من اليأس، ويبشرنا بالأمل، ويدعونا إلى الكفاح والجهاد.

فمن كان يظن يا شباب، أن تقوم للمسلمين قائمة حينما هجم التتار على عاصمة الخلافة الإسلامية كالإعصار، وخربوا بغداد، وزلزلوا العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه، ونهبوا الأموال، وداسوا القيم، وفتكوا بالأنفس، وهتكوا الأعراض، حتى قيل:إن جبالا شامخة وإهرامات عالية أقامها (هولاكو) من جماجم المسلمين!!

يقول المؤرخ ابن الأثير، وهو يصور تلك الأحداث: "لقد بقيت عدة سنين معرضا عن ذكر الحادثة استعظاما لها، كارها لذكرها، فأنا أقدم إليه رجلا وأؤخر أخرى، فمن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين؟

ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك؟ فيا ليت أمي لم تلدني!! ويليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا!!"

(الكامل في التاريخ،ذكرخروج التترإلى بلادالشام:5/304)

من كان يظن أن بلاد الإسلام -بعد كل هذا– ستحرّر بعد حين، على يد بطل الإسلام ،البطل المقدام "قطز" في معركة " عين جالوت " الحاسمة. و سيعود للمسلمين من المجد و العز و السؤدد ما تفخر به الأجيال!!

ومن كان يحلم أن تقوم للمسلمين قائمة؟ حينما استولى الصليبيون على كثير من بلاد المسلمين، و استولوا على المسجد الأقصى، ما يقارب قرنا من الزمان، حتى ظن الأعداء والأصدقاء ألا أمل في انتصار المسلمين على الصليبين، وأن لا رجاء في رد أرض فلسطين مع المسجد الأقصى إلى حوزة المسلمين، وقد فتكوا بالأنفس وذبحوا من المسلمين في يوم واحد أكثر من سبعين ألفا!! حتى أن الدماء سالت أنهارا في شوارع القدس وقد بلغت حدّ الرُكَب!!

من كان يظن بعد كل هذا! أن هذه البلاد ستتحرر في يوم من الأيام؟ ولكنها تحررت بإذن الله على يد البطل المسلم صلاح الدين الأيوبي في معركة حطين الحاسمة.

وعاد للمسلمين كيانهم، وعادلهم من القوة، والعزة، والسؤدد، ما يغيظ الحاقدين، و يدخل البهجة في قلوب المسلمين !

فنحن لسنا يائسين يا شباب! مهما أصابنا من كوارث وأحداث، ومهما غشينا من ذل وهوان! اسمعوا، يناديكم شهيد الإسلام سيد قطب، وهو نادانا قبل أن يفارقنا إلى جنان الخلد! نادانا وهو يعاني من الأذى والظلم ما تذوب له الجبال:

أخي إنني ما سئمت الكفاح   *    ولا أنا ألقيت عني السلاح

و إن طوقتني جيوش الظلام   *    فإني على ثقة بالصــباح

نعم، صدقت يا قائدنا ورائدنا سيد، فلابد لجيوش الظلام من أن تبيد، ولابد للصباح من أن يطلع ولو بعد حين!

وقبل أن أنهى هذا الكلام أريد أن أنبّهكم يا شباب! أن الأصل عندنا ليس انتظار الصباح.

وإنما مهمتنا أن نكافح جيوش الظلام. مهمتنا أن نكافحهم كفاحا جادّا، دائبا، مستمرا إلى أن تبيد!

وهناك فرق كبير بين اللعن والكفاح يا شباب الإسلام، فقد تعودنا السب واللعن دون الكفاح والجهاد، ولأن تضيء شمعة خير من أن تلعن الظلام. فإضاءة الشمعة هي الكفاح الجادّ ضد الظلام، وليس السب واللعن.

نحن ما وقعنا فيما وقعنا فيه، إلا بعد ما أخلدنا إلى الدنيا، و كرهنا الموت، وتركنا الكفاح، وبعد ما وقعنا في الوهن، وهو حب الدنيا وكراهية الموت، كما قال نبينا عليه السلام . نحن ما وقعنا فيما وقعنا فيه، إلا بعد ما تركنا الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، وحتى جعلنا نأمر بالمنكر وننهى عن المعروف!

و حتى انقلبت موازيننا، وتغيرت رؤيتنا للأمور، فرأينا المعروف منكرا، و المنكر معروفا، و العياذ بالله. حتى وقعنا في فتنة يصير الحليم فيها حيران.

فشدّوا مآزركم يا شباب! وضاعفوا جهودكم، و حددوا اتجاهكم، وسدّدواخطاكم، وتذكروا توجيه الله سبحانه وتعالى حيث قال: " ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات."

استبقوا الخيرات يا شباب! فما غشينا ما غشينا، إلا بعد ما تركنا هذا السباق، و إلا بعد ما تفرقت بنا الأهواء، و شغلتنا الشواغل عن أداء الواجب .

وأداء الواجب يحتاج إلى إعداد، ويحتاج إلى تربية النفس، ويحتاج إلى التزود بزاد التقوى، ويحتاج إلى التخلق بأخلاق الداعية، ويحتاج إلى التفقه في الدين، ويحتاج إلى معايشة كتاب الله، زيّنوا أنفسكم بأخلاق القرآن،و كونوا صورة صادقة، ونموذجا حيّا لتعاليم الإسلام، ثم اخرجوا إلى الناس وادعوهم إلى دين الله، و إلى عبادة الله، وإلى طاعة الله، ادعوهم ليلا ونهارا، حتى يستجيبوا لدعوتكم، ولا تيئسوا إن نكصوا و أحجموا، أو لم ير حبوا بكم، ولم يحسنوا استقبالكم، وشارِكوهم همومهم وأحزانهم، حتى تكسبوا قلوبهم، وتكسبوا مودتهم، وأثبتوا لديهم أنكم لهم ناصحون، ولا تريدون من وراء ذلك جزاء ولا شكورا.

وانظروا يا شباب! في سيرة الدعاة المسلمين، واقرءوا ماكتبه أصحاب الحركات الإسلامية بدموعهم، ودمائهم حتى تستفيدوا من تجاربهم، وتستفيدوا من خبراتهم، بارك الله في أيامكم وأعمالكم، وسدد خطاكم، وسخركم لخدمة دينه وشريعته. هذا، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخردعوا نا أن الحمدلله رب العلمين.