مشاركة:

المقالات


image not found

أبلغ الشباب عني مغلغلةً!

محمد عناية الله أسد سبحاني

(نص كلمة ألقيت في مؤتمر منظمة الطلاب الاسلامية، بولاية كيرلا-الهند.)

الحمد لله رب العلمين،والصلاة والسلام على رسوله الكريم،وعلى آله وأصحابه الغر الميامين، وبعد:

فأيها الشباب المسلمون، وأيها الشباب الراشدون الطامحون!

 مما يسرني ويسعدني جدا أنكم أتحتم لي هذه الفرصة السعيدة، حتى أجتمع بنخبة طيبة من الناس، وحتى أفتتح هذا الحفل الكريم، الحفل الذي هو تنويه وتبشير بمؤتمر أكاديمي كبير سيتبعه، هوتنويه بمؤتمر يدور حول الدراسات الإسلامية والعلوم الشرعية، والذي سيعقد بعد شهرين بإذن الله في رحاب الجامعة الإسلامية بشانتا برم، حرسها الله، وشدّ أزر القائمين بها.

 وهذا القرار الذي اتخذتموه ياشباب الإسلام! قرار مبارك جدا، قرار مبارك لكم ولمن حولكم من القرى والعواصم، فإن الشئ الذي ينقص اليوم المنظمات الطلابية، وغير الطلابية هو خلوّهم من الكوادر العلمية القادرة بشكل عام، وتأخرهم وتخلفهم في مجال العلم والثقافة والاطلاع، وأي منظمة إسلامية حركية دعوية لايتاح لها إنجاز أعمالها العظام، وتحقيق آمالها الكبار بدون التقدم في مجال العلم والثقافة، ولاسيما في مجالات العلم الشرعي الإسلامي قراءة وكتابة، وبحثا ودراسة، وتفقها واستنباطا، فهنيئا لكم هذا القرار، وهنيئا لكم هذه المبادرة الطيبة، والخطوة الواعية الجادة.

أيها الشباب الطامحون!

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يلهمكم رشدكم وصوابكم، ويذلل لكم صعابكم ووهادكم، وأسأله تعالى أن يقوّي عزائمكم، ويسدد خطاكم، وأسأله تعالى أن يبارك في أعمالكم وجهودكم، ويبارك في غدوكم ورواحكم، ويبارك في صباحكم و مساءكم، وأسأله تعالى أن يأخذ بأيديكم إلى مستقبل زاهر مشرق، إلى مستقبل سعيد تُعلى فيه كلمة الله، ويفرح المؤمنون بنصرالله.

أيها الشباب الطامحون!  إذا قررتم عقد مؤتمر أكاديمي إسلامي كبير، فلابد أن تكونوا جادين في هذا القرار، ولابد أن تبذلوا أقصى جهودكم، وأقصى اهتماماتكم حتى يكون المؤتمر على المستوى المطلوب، وعلى الوجه المنشود. وإسهاما مني في هذا المشروع العظيم، أريد أن ألفت انتباهكم إلى بعض الجوانب المهمة، التي تنور لكم الطريق، وتساعدكم في إعداد البحوث النافعة المفيدة بإذن الله.

فاعلموا ياشباب الإسلام! أن المكتبة الإسلامية الراهنة فيها فراغ هائل كبير، والبشرية الحائرة الضالة بحاجة ماسة إلى من يخرجها من حيرتها وضلالها، ويرشدها إلى الطريق، ويبلورلها الإسلام ويجليه في شكله الجميل الجذاب، فالإعلام الكاذب المعاصر الذي يعادي الإسلام، ويعضّ عليه الأنامل من الغيظ، قد أحاطه بالشبهات، وأوقفه في قفص الاتهامات، فمن يخرق تلك الشبهات الكاذبة ويبدّدها تبديدا، ومن يخرجه من ذلك القفص المشؤوم يا شباب!؟

  فالواقع أننا بحاجة ماسّة إلى كتاب مجيدين، نحن بحاجة ماسة إلى كتاب قادرين، نحن بحاجة ماسة إلى من يجيد عرض الإسلام في لغة العصر، وبأسلوب العصر، من غير ضعف ولا عجز ولاخجل، وهم قليل جدّ قليل ياشباب! وأما الباحثون، الباحثون المستقلّون القادرون على النقد والتحقيق، القادرون على الفهم والاستنباط، القادرون على الإبداع والابتكار، فلا تسأل عنهم، فهم أندرمن الكبريت الأحمر!

فإذا كنتم تريدون ياشباب الإسلام أن تقوموا بدوركم في خدمة دينكم، وإذا كنتم تريدون أن تذبّوا عن بيضة إسلامكم  ذبّا لايعرف الهوادة والوهن، فشدوا مآزركم للتجول في آفاق العلم، وشدّوا مآزركم للخوض في بحار العلم، فلابد من عمق في العلم،ولابدمن سعة في الاطلاع، ولابد من تنوع في الثقافة، لابدمن ذلك كله للقيام بهذا العمل العظيم، فقد قيل، ونعم ما قيل: ومن طلب العلا سهر الليالي!

 فالإمام المودودي رحمه الله حينما قرّر في نفسه أن يخدم الإسلام، وقرّر أن يكافح عن دين الإسلام، وقرر أن يلجم أفواه أعداء الإسلام، لم يخرج إلى الهيجا بدون سلاح، بل لبس السلاح أولا، وأفرغ مكتبة كبيرة واسعة في ذهنه إفراغا، وحفظها حفظا، ووعاها وعيا، وبعد ما تيقن أنه فعل الواجب، و اطمأن أنه لبس الدروع واستكمل السلاح، خرج إلى الميدان خروج من لايخاف ولايهاب، خرج بقوة وشجاعة ونشاط، وشنّ غارة شعواء على خصوم الإسلام، وأعداء الإسلام، حتى فضحهم فضحا، وكشفهم كشفا، وأبدى مافي دين الله من روعة وجمال، وأبدى ما فيه من حكمة وإتقان، وقدّم للناس شرائع الإسلام بصورة تسر الناظرين، وتدخل البهجة في نفوس القارئين، وأعاد إلى المسلمين ثقتهم بحيويّة دينهم، وأعاد إليهم ثقتهم بقدرته الكاملة على إيجاد الحلول المناسبة لجميع المشاكل التي يواجهها إنسان هذا القرن في حياته الفردية والاجتماعية، نعم أعاد إلى المسلمين ثقتهم بدينهم بعد هزيمة روحية كاملة قد سيطرت عليهم واستبدت بهم، وملأت قلوبهم وغشيت عقولهم، وجعلتهم يظنون بدينهم ظن السوء.

    وليس ذلك مقصورا على المودودي، فكل من خدم الإسلام، يا شباب الإسلام! وأبلى فيه بلاء حسنا، سار نفس الطريق. فهذا شيخنا العلامة أمين أحسن الإصلاحي، صاحب تفسير (تدبرقرآن) حينما كان في عنفوان شبابه، وكان معلما في مدرسة الإصلاح، الواقعة في  سرائي مير، أعظم جره، يوبي،كان من عادته التي يواظب عليها أنه يتوجه بعد صلاة العشاء مباشرة إلى المكتبة الكبيرة الحافلة بالكتب، ويغلق على نفسه الباب، ويقضي الليل كله ساهرا مع الكتب، في وقت يكون الناس فيه غارقين في نوم عميق، وظلت عادته هكذا، حتى انهارت حالته الصحيّة انهيارا، وهاجمته أمراض وأوجاع، وجعل يبول الدم!

  و لكن كان من بركات هذا الجهد- الجهد الجهيد الجبار أنه أثرى المكتبة الإسلامية بتفسير(تدبرقرآن)، وبكتب أخرى كثيرة متنوعة لابديل لها.

نعم يا شباب الإسلام ! فالثورة الإسلامية الشاملة التي نتطلع إليها، في مجالات الفكر والعمل تتطلب منا مثل هذا الجهد، و تتطلب منا مثل هذه التضحيات، فالجهد هو الذي يقشع الغمام، ويفتق الأكمام، ويشق الطريق إلى الأمام، والتضحيات هي التي تذلل العقبات، وتقرب المسافات، وتمكّن الإنسان من نيل الغايات.

  وتاريخنا المجيد حافل طافح بمثل هذه الجهود، وبمثل تلك التضحيات. والذي ذكرناه، إنما ذكرناه لأنه ليس من تاريخنا القديم، وإنماهو من نماذج هذا العصر الحاضر، الذي نعيش فيه. وإذا كانت النماذج من البيئة التي يعيش فيها الإنسان،كان لها من التأثير في النفوس مالا يكون لغيرها مما وقع في العهد القديم.

   فا علموا ياشباب الإسلام! أن المستقبل الزاهر المشرق، الذي نحلم به جميعا، ونتطلع إليه بكل لهفة وشوق يتطلب منا جدّية كاملة، ويتطلب منا اهتماماساهرا ببناء الشخصية، بناء الشخصية من ناحية العلم والثقافة، وبناء الشخصية من ناحية السلوك والعمل، فالشخصية القوية الجبارة علما وثقافة، والشخصية الجبارة عملا وسلوكا هي التي تحقق الأحلام وتبلغ الأهداف، وهي التي توقظ الأمم، وتنفخ فيها روح الحياة، وهي التي تنجز المستحيل وتصنع الأعاجيب!

  وإذا نجحتم يا شباب الإسلام في بناء شخصياتكم،كانت كلماتكم مثل الصواريخ، وكانت كتاباتكم مثل القنابل، وحينئذ تُطوى لكم المسافات، وتقتربون من الغايات، وتُفتح لكم الصدور، وتُقبِل إليكم القلوب، وتنجحون في بناء الأجيال، وتنجحون في بناء الشعوب!

     وما المودودي عنكم ببعيد، ولاحسن البنا، ولاسيد قطب، فقد كان هؤلاء الثلاثة- رحمهم الله وأكرمهم جميعا بخيرما يكرم به عباده العاملين المجاهدين - كانوا يملكون شخصية قوية جبارة، شخصية شامخة عملاقة، فهم هزّوا الشعوب في الشرق والغرب، وهزّوا الحكومات في العالم بكلماتهم وكتاباتهم، هزوهم جميعا في وقت قصير، وفي سنوات معدودات، فلم تكن كلماتهم أقل من الصواريخ، ولم تكن عباراتهم أقل من القنابل!!

وأما إذا كانت الدعوة، وكانت الكتابة، ولم تكن وراءها شخصية قوية عملاقة، فمثل تلك الدعوات، ومثل تلك الكتابات لاتوقظ نائما، ولاتحرّك ساكنا، ولا تُصلح فاسدا، ولاتنبّه غافلا؛  لأنها تفقد الحياة، وتفقد حرارة الحياة، والدعوات لاتكون حياتها في دويّ النعرات ورنين اللهجات، والكتابات لاتكون حياتها في بريق القلم وجودة المداد، وإنما تعيش الدعوات، إذا خرجت من قلوب نابضة بالحياة، و إنما تحيا الكتابات إذا  كانت نفحة من النار التي يحترق بها الكُتّاب!  

 ولكم العبرة ياشباب الإسلام، في رسول الله وأصحابه البررة الكرام، حيث هزّوا العالم هزّا في مدة قصيرة لاتتجاوز ربع قرن، وقلبوا الدول وفتحوا الأمم، وبنوا حضارة نظيفة شامخة، لم يُعرف لها مثيل، ولم يوجد لها نظير في تاريخ البشرية كلها على الإطلاق، من لدن سيدنا آدم عليه السلام إلى هذا القرن العشرين.

  ولم يكن هذا النجاح الباهر القاهر لجهودهم وجهادهم إلا نتيجة طبيعية لشخصياتهم الشامخة الجبارة، وهذا الأمر من الوضوح بحيث لايحتاج منا إلى دليل، فهو أوضح من الواضح لدى كل شخص له إلمام بتاريخ الإسلام المجيد، وله اطلاع على سيرة بناة ذلك التاريخ المجيد من رسول الله وأصحابه الشامخين المجاهدين، فاسمعوها مني كلمة صريحة ياشباب، أنها لن تنفع الدعوة، ولن تنفع الكتابة بدون اهتمام جادّ ببناء الشخصية، فكونوا مهتمين ببناء شخصياتكم.

أبعدوا أنفسكم ياشباب! من سفاسف الأمور، وانظروا دائما إلى معالي الأمور، وأكثروا من تلاوة القرآن، وأحبوه من كل قلوبكم، وتذوقوه واستمتعوا بجماله، فالقرآن لايمنح كنوزه إلا من يحبّه، ويمنحه فؤاده.

ولاتضيعوا أوقاتكم فيما لايعنيكم، فالوقت هو الحياة، والوقت أغلى ما يملكه الإنسان، والشباب الذين يحملون رسالة كبيرة هم أشد الناس حاجة إلى تنظيم أوقاتهم، وتذكروا دائما قول الإمام البنا رحمه الله: (الواجبات أكثر من الأوقات) وإذا كان الوقت أغلى ما يملكه الإنسان، وإذاكانت الواجبات أكثر من الأوقات، فليس من العقل أن يضيع المرء دقيقة من حياته، فضياع الوقت هو ضياع الإنسان!

نسأل الله سبحانه أن يجعلنا من جنود دعوته، ونسأله سبحانه أن يقوّينا على طاعته، ونسأله سبحانه أن يكلل جهودنا بتوفيقه ونصرته، إنه سميع قريب مجيب.

هذا، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.